الشاي الحضرمي نبيذ السلاطين والشعراء

لقد تعاطاه الناس ولهم (طقوسهم ) الخاصة في جلساتهم . ولكن ما هي أصوله، والانطباعات التي قدروها فيه.
عرف شرب الشاي على نطاق محدود جداً في وادي حضرموت منذ أزمان بعيدة بحكم احتكاك الحضارمة بالهند.. غير أن الشاي ( البخاري) لم يكن معروفاً في حضرموت إلا في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ، حين جلبه من الحجاز إلى تريم ( حامد بن عبدالله الجنيد ) وبالرغم من حداثته إلا انه أصبح مشروب ٍ هاماً بعد القهوة في حياة الناس كلما توغلنا عمقاً في الداخل .. وأول من استعمله في سيؤن هو العلامة (علي بن محمد الحبشي).
ولعل الحضارمة قد فاقو أهل الحجاز في التفنن فيه والاحتفاء به وفي المغالاة في اقتناء وتنويع أوانيه وفي جعلهم تلك العادة ظاهرة حضاريه اجتماعية في حفلات و مجالس انسهم وأفراحهم وهم إلى جانب ذلك يتسابقون إليه عن غيرهم في عموم الوطن اليمني الحبيب.
وهنالك الكثير من العادات والتقاليد التي يعد فيها الشاي ركناً أساسيا ، وقلما لا تجد الشاي ضمن المجالس ألدان خاصة والمجالس الادبية عامه وكذلك بعض التراتيب عند الصوفية وغيرها.
ولقدم الاتصال ذكر (الصموار) باسم ( البخاري) .. وعرفه أهل الحجاز عن أهالي بخارى القادمين من جمهورية أوزباكستان السوفيتية وأشاعوه في ديارهم ، بعد أن نسبوه للبخاريين.
(والصموادر) مأخوذة من لفظة روسية ومعناها الإناء الذي يفور فيه الماء.. وينطقونها الحضارمة بـ(صماور) بالصاد أو السين (سموار) .
وقد تغنى الكثير من الشعراء الحضارمة في أشعارهم عن الشاي وعدته ، وهذا الشاعر الشعبي الشحري صلاح جابر النوبي في إحدى قصائده السياسية عن حادثة أمن حدثت عام 1937م قال:
عجبه في الصموار
عجبه عجب ما فار
يا طابخين ( التيه) مكسور البخاري
كيف الخبر ثم كيف؟!
وش عاد لاجاء ضيف؟!
با يلحق العدة رديه!
كله من الطباخ ما تعنى وذي في المعشرة خمسة فناجين.
ويطارح (حداد) مريدته التي تعد الشاي أسباب الهيام وقال:
در علـى كأسك القاطع مفتـــــــق
لا تخليه كأسك يـــــــــا حبيب مداهــــــق
من شروط التمدن نصف فنجان مصبوب
أما ما يحدث في مجالس الشاي بين الشاعر ( حداد) وجليسه الأنيس. فإننا نعلمه من قوله:
لا مـــــد بالفنجان لـــــي با تلتقــي يده بيـــــــدي يديــــــر لــــي شاهيه بالقانــــــــــون
وعلى الرضى قلبه حط خده على صفحات خدي واجني ثمار الصدر من ليمه ومن تين
يــــا فرحة الخاطر إذا قدناه علــى جانبي محبــــي بــــا ينبســــــط به قلبـــــي المحنـــون
بــا طفئ أحزاني ومن شاهيه بـــا تهنى بشربـي بــا التـذ بحنــات المعالق في الفناجين
أما الشاعر مستور حمادي يقول:
ذا خرج فصل يمضي لينا بالدقائق
سبة الولف شو عظمي مـــــــدقدق
لا طربته تذكرته حنين المعلق
حاسب انه رمى بالمعلقه في الفناجين
الشاعر الأديب علي احمد باكثير في روايته (همام) يقول:
ولقد زاد بلاءً انه في قطر ناعم
فهو في القصر وفي البيت وفي الكوخ المرموم
ويضيف:
شراب الشاي خير لي من الدنيا ومافيها
إذا ما أقلت كـــــــاس كحور في تهاويها
تولي الهم من نفسي ودانت لـي أمانيها
والشاعر صالح بن على الحامد يصف لنا الشاي:
روق لها مــاء الغمام وهاتها لي والحبايب بدور في جانباتها
صهباء ماعبثت بها يد عابث مـــاعشرت إلا إلف سقاتهــــــــا
من جيد الشاي استحال عصيرها فاتت تحاكي الشهب في جاماتها
قــد راق منظرها ورق زجاجها فلعلـــــه لــــم يدهقوا كأساتهــــــا
ويصف الشاعر الأديب سقاف محمد السقاف نديمته ورقتها مقدمة الشاي.. ويقول:
كاس من الشاي أغنانا عن الكأس الشاي اظهر خافي الشعر في راسي
ولعــــــــت بالشاي بالفنان يطبخه حلو الحديث خفيف الروح مياســــي
حادثته وهو يسقسنـــي ويلعب بي ويمزج الريق مزج الشهد في الكأس
قالت : تميل إلى الألحان :قلت نعم
ما في الشراب ولا في أللحان من بأس
فأرسلت بغمزه في الحين فانتفضت
أذني لصوت يذيب الجامد القاسي
ويطربنا الفنان ابوبكر سالم بصوته بأغنية (قال الفتى) من كلمات حداد بن حسن الكاف:
ودي بسمــــره انــــــا ويـــــاه في وسط بستان ولا بانظلـــي
بيـــك البخـــاري علـــى يمناه من كأس شاهي يسقينا وبسقيه
وفي الختام هذه مجرد شذرات عن أحوال الشاي (البخاري) ومجالسه في حضرموت.. ولا جدال في أنها جزء من عاداتنا وتقاليدنا اليمنية التي نعتز بها بل نطمح في أن يعود إليها الصفو من ثاني وروح العصر الذي نعيش فيه.
__________________________________________________________

المصادر
- الشاعر / حداد بن حسن الكاف للأستاذ/ محمد عبدالقادر بامطرف.
- عادات وتقاليد الشاي في حضرموت للأستاذ/ محمد زين الكاف.
- اجتهادات خاصة.