الحمد لله الهادي، من عليه اتكالي واعتمادي، وهو ملاذي عند الحادث العمم.
والصلاة والسلام على الرسول الأسوة والنبي القدوة.
وأشهد أن لا إله إلا الله، خلق الهداية، وقدر أسبابها، وخلق الغواية، وحذر طلابها، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، دل على الهداية، وحث عليها، ورغب فيها، وأمر بطرق أبوابها، والبحث عن أسبابها، أما بعد..
فإن من أوجب الواجبات، وأعظم المسؤوليات، وأكبر الأمانات؛ أمانة تربية المسلم لأهل بيته مبتدئا بنفسه، ومثنيا بمن يعول.. أدناه فأدناه.
وهذا من معنى قول الله:{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاط شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]. فهو مسؤول عنهم، ومحاسب عليهم، ومعاقب على تفريطه في تربيتهم؛ فالتربية ليست أمرا عارضا أو قضية هامشية أو فكرة عابرة، أو خاطرة سائرة؛ بل هي ضرورة ملحة، ومسألة لازمة،
وقضية تضرب بجذورها في الماضي الفائت، لتعبر الحاضر السائر، وتمتد إلى المستقبل الآتي.
وصلاح الأهل نعمة عظيمة، ومنة- من الله- كريمة، لا يشعر بها، ويعرف فضلها، ويقدر قدرها إلا من حرم منها، وتلوع قلبه بضدها، واكتوى فواده بنقيضها.
وكما أن لكل حرث زارع، ولكل مال جامع؛ فكذا الهداية لها أسباب وطرائق، وموانع وعوائق.
والواجب المتحتم على كل مسلم أن يبحث عن طرق الهداية ويغتنمها، ويتنكب سبل الضلال والغواية ويجتنبها.
وليعلم علم اليقين أن التربية تحتاج إلى جهد جهيد لا يعرف الكسل، وبذل لا يتوافق مع البخل، ومواصلة لا ترضى بالانقطاع، وهمة لا تقنع بالدون، وعزيمة لا تتناسب مع الخمول.
وحسبك من محامدها أن العبد يؤجر عليها ويثاب على ما بذل فيها حتى بعد موته وانتهاء عمره وانقطاع أثره وانبتات أمره.