هل تتحول الجامعه العربيه الى انقرة

أصبحت تركيا قلب الأمة، فهي التي تبادر بالدفاع عن قضايانا، وهي التي تسعى إلى فك الحصار الجائر والظالم على قطاع غزة، وهي التي تمد يديها إلى حركات المقاومة وتستقبل رموزها، وهي التي جهزت وأطلقت أسطول الحرية الذي تعرّض يوم أمس إلى قرصنة صهيونية لا يبرّرها غير التشنج الإسرائيلي المدعوم بالإسناد الأمريكي والنفاق الأوروبي والصمت العربي وبالتحالف الخفي بين تل أبيب وبعض الأنظمة العربية الفاقدة للشرعية وللضمير القوميين.

وما تقوم به تركيا حاليا من دور محوري في المنطقة، ومن مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، ومن خروج عن سلطان الهيمنة الأمريكية، هو نتاج طبيعي لإرادة الشعب التركي، ولإنتخابات غير مزوّرة جاءت إلى سدة الحكم بحكومة ذات رؤية وذات موقف وذات رسالة حضارية مرتبطة بجذور تاريخية وبمعطيات جغرافية وبأبعاد ثقافية ودينية وقومية، تأكد للأتراك أن تجاوزها أو الخروج عنها لن يحقق لهم بعض ما يمكن أن يحققوه عبر التزامهم بها وتجذّرهم فيها..

وإذا كان حلفاء إسرائيل يدّعون أنها "دولة ديمقراطية"، فإن حلفاء تركيا يفخرون بأنها دولة ديمقراطية بالفعل، وأنها غير مورطة في احتلال بلد أو في الاعتداء على شعب أو في تزوير تاريخ، وأن أية قوة في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، لا تستطيع الضغط المباشر أو غير المباشر على أنقرة.

في المقابل تستطيع الولايات المتحدة التلاعب بالقرار العربي لأنها تعرف أنه صادر عن أنظمة غير شرعية، وعن حكومات لا تعبّر عن شعوبها، ولأنها تمسك بخيوط اللعبة في عواصم عربية، كل ما يشغلها اليوم هو تكميم أفواه الجماهير الغاضبة، وتمرير خطط توريث السلطة بما يضمن مصالح القطط السمان في الداخل وإسرائيل على الحدود.

وإذا كان بعض العرب ينتظرون من الجامعة العربية فعل أي شيء، فإنهم بالتأكيد واهمون، لأن الجامعة ستبقى مجرّد حديقة خلفية للدبلوماسية المصرية ولسياسات القاهرة الغارقة في بؤرة التواطؤ المعلن والمفضوح مع إسرائيل، وخاصة فيما يتعلق بتشديد الحصار على قطاع غزة وبالتخطيط للقضاء على روح المقاومة في المنطقة.

ومن تابع ردود الفعل المصرية إزاء حادثة العدوان الصهيوني على أسطول الحرية يوم أمس، لا بد أنه أدرك أن القاهرة اختارت الخروج من دائرة الفعل القومي والإقليمي، وأن بيان وزارة خارجيتها كان مجرد محاولة لذر الرماد على العيون، أما الإعلام الرسمي المصري فقد اختار التعامل بسياسة اللامبالاة، وكأن ما حدث من انتهاك للقانون الدولي وخرق للشرعية الدولية، لا يعني غير مرتكبيه وضحاياه..

ولا شك أن تراجع الموقف المصري زاد من أهمية الموقف التركي المتحرر والمنطلق والمنعتق، مما يزيد من تهميش دور القاهرة، ومن ترحيب جماهير الشعب العربي بدور أنقرة، حتى أنهم يتمنون لو ينقل إليها مقر الجامعة العربية في رحلة لجوء حضاري، فقد يأتي الفرج على أيدي الأتراك بعد أن اتضح أن لا أمل يرجى من النظام المصري وحلفائه وأتباعه الإقليميين.